فصل: فصل: اللحن في القراءة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويباح أن يتطوع جالسا‏]

لا نعلم خلافا في إباحة التطوع جالسا‏,‏ وأنه في القيام أفضل وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم‏)‏ متفق عليه وفي لفظ مسلم‏:‏ ‏(‏صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة‏)‏ وقالت عائشة‏:‏ ‏(‏إن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يمت حتى كان كثير من صلاته وهو جالس‏)‏ وروى نحو ذلك عن حفصة‏,‏ وعبد الله بن عمرو وجابر بن سمرة أخرجهن مسلم ولأن كثيرا من الناس يشق عليه طول القيام‏,‏ فلو وجب في التطوع لترك أكثره فسامح الشارع في ترك القيام فيه ترغيبا في تكثيره كما سامح في فعله على الراحلة في السفر‏,‏ وسامح في نية صوم التطوع من النهار‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويكون في حال القيام متربعا ويثنى رجليه في الركوع والسجود‏]

وجملته أنه يستحب للمتطوع جالسا أن يكون في حال القيام متربعا روى ذلك عن ابن عمر‏,‏ وأنس وابن سيرين ومجاهد‏,‏ وسعيد بن جبير ومالك والثوري‏,‏ والشافعي وإسحاق وعن أبي حنيفة كقولنا وعنه يجلس كيف شاء وروي عن ابن المسيب وعروة‏,‏ وابن عمر‏:‏ يجلس كيف شاء لأن القيام سقط فسقطت هيئته وروي عن ابن المسيب وعروة‏,‏ وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وعطاء الخراساني‏,‏ أنهم كانوا يحتبون في التطوع واختلف فيه عن عطاء والنخعي ولنا أن القيام يخالف القعود فينبغي أن تخالف هيئته في بدله هيئة غيره‏,‏ كمخالفة القيام غيره وهو مع هذا أبعد من السهو والاشتباه وليس إذا سقط القيام لمشقته يلزم سقوط ما لا مشقة فيه‏,‏ كمن سقط عنه الركوع والسجود لا يلزم سقوط الإيماء بهما وهذا الذي ذكرنا من صفة الجلوس مستحب غير واجب إذ لم يرد بإيجابه دليل فأما قوله‏:‏ ‏(‏ويثنى رجليه في الركوع والسجود‏)‏ فقد روى عن أنس قال أحمد‏:‏ يروى عن أنس‏,‏ أنه صلى متربعا فلما ركع ثنى رجله وهذا قول الثوري وحكى ابن المنذر عن أحمد‏,‏ وإسحاق أنه لا يثنى رجليه إلا في السجود خاصة ويكون في الركوع على هيئة القيام وذكره أبو الخطاب وهو قول أبي يوسف ومحمد‏,‏ وهو أقيس لأن هيئة الراكع في رجليه هيئة القائم فينبغي أن يكون على هيئته وهذا أصح في النظر إلا أن أحمد ذهب إلى فعل أنس‏,‏ وأخذ به‏.‏

فصل

وهو مخير في الركوع والسجود إن شاء من قيام وإن شاء من قعود ‏(‏لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل الأمرين‏)‏ ‏(‏قالت عائشة‏:‏ لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي صلاة الليل قاعدا قط‏,‏ حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع‏,‏ قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع‏)‏ متفق عليه وعنها ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي ليلا طويلا قائما‏,‏ وليلا طويلا قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد‏)‏ رواه مسلم قال الترمذي‏:‏ كلا الحديثين صحيح‏,‏ قال‏:‏ وقال أحمد وإسحاق‏:‏ والعمل على كلا الحديثين‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعدا‏]

أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسا وقد ‏(‏قال النبي - صلى الله عليه وسلم- لعمران بن حصين‏:‏ صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا‏,‏ فإن لم تستطع فعلى جنب‏)‏ رواه البخاري وأبو داود والنسائي‏,‏ وزاد‏:‏ ‏(‏فإن لم تستطع فمستلقيا ‏(‏لا يكلف الله نفسا إلا وسعها‏)‏ ‏)‏ وروى أنس قال‏:‏ ‏(‏سقط رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن فرس فخدش أو جحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة‏,‏ فصلى قاعدا وصلينا خلفه قعودا‏)‏ متفق عليه وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به‏,‏ أو تباطؤ برئه أو يشق عليه مشقة شديدة فله أن يصلي قاعدا ونحو هذا قال مالك وإسحاق وقال ميمون بن مهران‏:‏ إذا لم يستطع أن يقوم لدنياه‏,‏ فليصل جالسا وحكي عن أحمد نحو ذلك ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما جعل عليكم في الدين من حرج‏}‏ وتكليف القيام في هذه الحال حرج ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى جالسا لما جحش شقه الأيمن والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية لكن لما شق عليه القيام سقط عنه‏,‏ فكذلك تسقط عن غيره وإذا صلى قاعدا فإنه يكون جلوسه على صفة جلوس المتطوع جالسا على ما ذكرنا‏.‏

فصل

وإن قدر على القيام بأن يتكئ على عصى‏,‏ أو يستند إلى حائط أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه لأنه قادر على القيام من غير ضرر‏,‏ فلزمه كما لو قدر بغير هذه الأشياء‏.‏

فصل

وإن قدر على القيام إلا أنه يكون على هيئة الراكع كالأحدب‏,‏ أو من هو في بيت قصير السقف لا يمكنه الخروج منه أو في سفينة‏,‏ أو خائف لا يأمن أن يعلم به إذا رفع رأسه فإنه إن كان ذلك لحدب أو كبر لزمه قيام مثله‏,‏ وإن كان لغير ذلك احتمل أن يلزمه القيام قياسا على الأحدب‏,‏ واحتمل أن لا يلزمه فإن أحمد - -رحمه الله- - قال في الذي في السفينة لا يقدر على أن يستتم قائما‏,‏ لقصر سماء السفينة‏:‏ يصلي قاعدا إلا أن يكون شيئا يسيرا فيقاس عليه سائر ما في معناه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا‏)‏ وهذا لم يستطع القيام‏.‏

فصل

ومن قدر على القيام‏,‏ وعجز عن الركوع أو السجود لم يسقط عنه القيام ويصلى قائما‏,‏ فيومئ بالركوع ثم يجلس فيومئ بالسجود وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ يسقط القيام ولأنها صلاة لا ركوع فيها ولا سجود فسقط فيها القيام كصلاة النافلة على الراحلة ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وقوموا لله قانتين‏}‏ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صل قائما‏)‏ ولأن القيام ركن قدر عليه‏,‏ فلزمه الإتيان به كالقراءة والعجز عن غيره لا يقتضي سقوطه‏,‏ كما لو عجز عن القراءة وقياسهم فاسد لوجوه‏:‏ أحدها أن الصلاة على الراحلة لا يسقط فيها الركوع والثاني‏,‏ أن النافلة لا يجب فيها القيام فما سقط على الراحلة لسقوط الركوع والسجود والثالث‏:‏ أنه منقوض بصلاة الجنازة‏.‏

فصل

وإن قدر المريض على الصلاة وحده قائما ولا يقدر على ذلك مع الإمام لتطويله‏,‏ يحتمل أن يلزمه القيام ويصلى وحده لأن القيام آكد لكونه ركنا في الصلاة لا تتم إلا به والجماعة تصح الصلاة بدونها واحتمل أنه مخير بين الأمرين‏,‏ لأننا أبحنا له ترك القيام المقدور عليه مع إمام الحي العاجز عن القيام مراعاة للجماعة‏,‏ فهاهنا أولى ولأن العجز يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام بدليل أن ‏(‏صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم‏)‏ و ‏(‏صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده سبعا وعشرين درجة‏)‏ وهذا أحسن‏,‏ وهو مذهب الشافعي‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإن لم يطق جالسا فنائما‏]

يعني مضطجعًا سماه نائمًا لأنه في هيئة النائم وقد جاء مثل هذه التسمية عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم‏,‏ وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد‏)‏ رواه البخاري هكذا فمن عجز عن الصلاة قاعدا فإنه يصلي على جنبه مستقبل القبلة بوجهه وهذا قول مالك‏,‏ والشافعي وابن المنذر وقال سعيد بن المسيب والحارث العكلي‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي‏:‏ يصلي مستلقيا ووجهه ورجلاه إلى القبلة ليكون إيماؤه إليها‏,‏ فإنه إذا صلى على جنبه كان وجهه في الإيماء إلى غير القبلة ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏فإن لم يستطع فعلى جنب‏)‏ ولم يقل‏:‏ فإن لم يستطع فمستلقيا ولأنه يستقبل القبلة إذا كان على جنبه ولا يستقبلها إذا كان على ظهره وإنما يستقبل السماء‏,‏ ولذلك يوضع الميت في قبره على جنبه قصد التوجيه إلى القبلة وقولهم‏:‏ إن وجهه في الإيماء يكون إلى غير القبلة قلنا‏:‏ استقبال القبلة من الصحيح لا يكون في حال الركوع بوجهه ولا في حال السجود إنما يكون إلى الأرض‏,‏ فلا يعتبر في المريض أن يستقبل القبلة فيهما أيضا إذا ثبت هذا فالمستحب أن يصلي على جنبه الأيمن فإن صلى على الأيسر‏,‏ جاز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يعين جنبا بعينه ولأنه يستقبل القبلة على أي الجنبين كان وإن صلى على ظهره مع إمكان الصلاة على جنبه‏,‏ فظاهر كلام أحمد أنه يصح لأنه نوع استقبال ولهذا يوجه الميت عند الموت كذلك والدليل يقتضي أن لا يصح لأنه خالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- في قوله‏:‏ ‏(‏فعلى جنب‏)‏ ولأنه نقله إلى الاستلقاء عند عجزه عن الصلاة على جنبه فيدل على أنه لا يجوز ذلك مع إمكان الصلاة على جنبه‏,‏ ولأنه ترك الاستقبال مع إمكانه وإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيا للخبر‏,‏ ولأنه عجز عن الصلاة على جنبه فسقط كالقيام والقعود‏.‏

فصل

إذا كان بعينه مرض فقال ثقات من العلماء بالطب‏:‏ إن صليت مستلقيا أمكن مداواتك فقال القاضي‏:‏ قياس المذهب جواز ذلك وهو قول جابر بن زيد‏,‏ والثوري وأبي حنيفة وكرهه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبو وائل وقال مالك‏,‏ والأوزاعي‏:‏ لا يجوز لما روي عن ابن عباس أنه لما كف بصره أتاه رجل فقال‏:‏ لو صبرت على سبعة أيام لم تصل إلا مستلقيا داويت عينك‏,‏ ورجوت أن تبرأ فأرسل في ذلك إلى عائشة وأبي هريرة وغيرهما من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فكل قال له‏:‏ إن مت في هذه الأيام فما الذي تصنع بالصلاة‏؟‏ فترك معالجة عينه ولنا‏:‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى جالسا لما جحش شقه الأيمن‏,‏ والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام لكن كانت عليه مشقة فيه أو خوف ضرر‏,‏ وأيهما قدر فهو حجة على الجواز ها هنا ولأنا أبحنا له ترك الوضوء إذا لم يجد الماء إلا بزيادة على ثمن المثل - حفظا لجزء من ماله - وترك الصوم لأجل المرض والرمد‏,‏ ودلت الأخبار على جواز ترك القيام لأجل الصلاة على الراحلة خوفا من ضرر الطين في ثيابه وبدنه وجاز ترك الجمعة والجماعة صيانة لنفسه وثيابه من البلل والتلوث بالطين‏,‏ وجاز ترك القيام اتباعا لإمام الحي إذا صلى جالسا والصلاة على جنبه ومستلقيا في حال الخوف من العدو ولا ينقص الضرر بفوات البصر عن الضرر في هذه الأحوال‏,‏ فأما خبر ابن عباس - إن صح - فيحتمل أن المخبر لم يخبر عن يقين وإنما قال‏:‏ أرجو أو أنه لم يقبل خبره لكونه واحدا أو مجهول الحال‏,‏ بخلاف مسألتنا‏.‏

فصل

وإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما كما يومئ بهما في حالة الخوف ويجعل السجود أخفض من الركوع‏,‏ وإن عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود وإن لم يمكنه أن يحنى ظهره حنى رقبته‏,‏ وإن تقوس ظهره فصار كأنه واقع فمتى أراد الركوع زاد في انحنائه قليلا ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر ما يمكنه وإن قدر على السجود على صدغه لم يفعل لأنه ليس من أعضاء السجود وإن وضع بين يديه وسادة‏,‏ أو شيئا عاليا أو سجد على ربوة أو حجر جاز‏,‏ إذا لم يمكنه تنكيس وجهه أكثر من ذلك وحكى ابن المنذر عن أحمد أنه قال‏:‏ أختار السجود على المرفقة وقال‏:‏ هو أحب إلى من الإيماء وكذلك قال إسحاق وجوزه الشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي ورخص فيه ابن عباس وسجدت أم سلمة على المرفقة وكره ابن مسعود السجود على عود وقال‏:‏ يومئ إيماء ووجه الجواز أنه أتى بما يمكنه من الانحطاط فأجزأه‏,‏ كما لو أومأ فأما إن رفع إلى وجهه شيئا فسجد عليه فقال بعض أصحابنا‏:‏ لا يجزئه وروي عن ابن مسعود‏,‏ وابن عمر وجابر وأنس‏,‏ أنهم قالوا‏:‏ يومئ ولا يرفع إلى وجهه شيئا وهو قول عطاء ومالك‏,‏ والثوري وروى الأثرم عن أحمد أنه قال‏:‏ أي ذلك فعل فلا بأس‏,‏ يومئ أو يرفع المرفقة فيسجد عليها قيل له‏:‏ المروحة‏؟‏ قال‏:‏ لا أما المروحة فلا وعن أحمد أنه قال‏:‏ الإيماء أحب إلى وإن رفع إلى وجهه شيئا فسجد عليه‏,‏ أجزأه وهو قول أبي ثور ولا بد من أن يكون بحيث لا يمكنه الانحطاط أكثر منه ووجه ذلك أنه أتى بما أمكنه من وضع رأسه‏,‏ فأجزأه كما لو أومأ ووجه الأول أنه سجد على ما هو حامل له فلم يجزه‏,‏ كما لو سجد على يديه‏.‏

فصل

وإن لم يقدر على الإيماء برأسه أومأ بطرفه ونوى بقلبه‏,‏ ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتا وحكي عن أبي حنيفة أن الصلاة تسقط عنه وذكر القاضي أن هذا ظاهر كلام أحمد في رواية محمد بن يزيد لما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قيل له في مرضه‏:‏ الصلاة فقال‏:‏ قد كفانى إنما العمل في الصحة ولأن الصلاة أفعال عجز عنها بالكلية فسقطت عنه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يكلف الله نفسا إلا وسعها‏}‏ ‏.‏

ولنا ما ذكرناه من حديث عمران‏,‏ وأنه مسلم بالغ عاقل فلزمته الصلاة كالقادر على الإيماء برأسه‏,‏ ولأنه قادر على الإيماء أشبه الأصل‏.‏

فصل

إذا صلى جالسا فسجد سجدة‏,‏ وأومأ بالثانية مع إمكان السجود جاهلا بتحريم ذلك‏,‏ وفعل مثل ذلك في الثانية ثم علم قبل سلامه سجد سجدة تتم له الركعة الثانية‏,‏ وأتى بركعة كما لو ترك السجود نسيانا وذكر القاضي أنه تتم له الركعة الأولى بسجدة الثانية وهذا مذهب الشافعي وليس هذا مقتضى مذهبنا فإنه متى شرع في قراءة الثانية قبل إتمام الأولى‏,‏ بطلت الأولى وصارت الثانية أولاه وقد مضى هذا في سجود السهو‏.‏

فصل

ومتى قدر المريض في أثناء الصلاة‏,‏ على ما كان عاجزا عنه من قيام أو قعود‏,‏ أو ركوع أو سجود أو إيماء‏,‏ انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته وهكذا لو كان قادرا فعجز في أثناء الصلاة‏,‏ أتم صلاته على حسب حاله لأن ما مضى من الصلاة كان صحيحا فيبنى عليه كما لو لم يتغير حاله‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏والوتر ركعة‏]

نص على هذا أحمد -رحمه الله- فقال‏:‏ إنا نذهب في الوتر إلى ركعة‏,‏ وممن روى عنه ذلك‏:‏ عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت‏,‏ وابن عباس وابن عمر وابن الزبير‏,‏ وأبو موسى ومعاوية وعائشة‏,‏ رضي الله عنهم وفعل ذلك معاذ القارئ ومعه رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا ينكر ذلك منهم أحد‏,‏ وقال ابن عمر‏:‏ الوتر ركعة كان ذلك وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وبهذا قال سعيد بن المسيب‏,‏ وعطاء ومالك والأوزاعي‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبو ثور وقال هؤلاء‏:‏ يصلي ركعتين ثم يسلم‏,‏ ثم يوتر بركعة وقد روي عن ابن عمر وابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏الوتر ركعة من آخر الليل‏)‏ وقالت‏:‏ عائشة‏:‏ ‏(‏كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من الليل عشر ركعات‏,‏ ويوتر بسجدة‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة‏)‏ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة‏)‏ أخرجهن مسلم‏.‏

فصل

قوله‏:‏ ‏(‏الوتر ركعة‏)‏ يحتمل أنه أراد‏:‏ جميع الوتر ركعة‏,‏ وما يصلي قبله ليس من الوتر كما قال الإمام أحمد‏:‏ إنما نذهب في الوتر إلى ركعة ولكن يكون قبلها صلاة عشر ركعات‏,‏ ثم يوتر ويسلم ويحتمل أنه أراد أقل الوتر ركعة فإن أحمد قال‏:‏ إنا نذهب في الوتر إلى ركعة وإن أوتر بثلاث أو أكثر فلا بأس وممن روى عنه أنه أوتر بثلاث عمر‏,‏ وعلى وأبي وابن مسعود‏,‏ وابن عباس وأبو أمامة وعمر بن عبد العزيز وبه قال أصحاب الرأي قال أبو الخطاب‏:‏ أقل الوتر ركعة‏,‏ وأكثره إحدى عشرة ركعة وأدنى الكمال ثلاث ركعات وقال الثوري وإسحاق‏:‏ الوتر ثلاث‏,‏ وخمس وسبع وتسع‏,‏ وإحدى عشرة وقال أبو موسى‏:‏ ثلاث أحب إلى من واحدة وخمس أحب إلى من ثلاث وسبع أحب إلى من خمس‏,‏ وتسع أحب إلى من سبع وقال ابن عباس‏:‏ إنما هي واحدة أو خمس أو سبع‏,‏ أو أكثر من ذلك يوتر بما شاء وقد روى أبو أيوب قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل‏,‏ ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل‏)‏ أخرجه أبو داود وروت عائشة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يوتر بتسع وروت‏,‏ أنه كان يوتر بسبع وروت أنه كان يوتر بخمس‏)‏ رواهن مسلم وعن عبد الله بن قيس‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏قلت لعائشة‏:‏ بكم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوتر‏؟‏ قالت‏:‏ كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث وعشر وثلاث‏,‏ ولم يكن يوتر بأقل من سبع ولا بأكثر من ثلاث عشرة‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏يقنت فيها‏]

يعنى أن القنوت مسنون في الوتر في الركعة الواحدة‏,‏ في جميع السنة هذا المنصوص عند أصحابنا وهذا قول ابن مسعود وإبراهيم‏,‏ وإسحاق وأصحاب الرأي وروى ذلك عن الحسن وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان وروى ذلك عن على وأبي وبه قال ابن سيرين‏,‏ وسعيد بن أبي الحسن والزهري ويحيى بن وثاب‏,‏ ومالك والشافعي واختاره أبو بكر الأثرم لما روي عن الحسن أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي لهم عشرين ليلة‏,‏ ولا يقنت إلا في النصف الثاني رواه أبو داود وهذا كالإجماع وقال قتادة‏:‏ يقنت في السنة كلها إلا في النصف الأول من رمضان لهذا الخبر وعن ابن عمر أنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان وعنه لا يقنت في صلاة بحال والرواية الأولى هي المختارة عند أكثر الأصحاب وقد قال أحمد‏,‏ في رواية المروذي‏:‏ كنت أذهب إلى أنه في النصف من شهر رمضان ثم إني قنت هو دعاء وخير ووجهه ما روى عن أبي ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يوتر‏,‏ فيقنت قبل الركوع‏)‏ وعن على رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقول في آخر وتره‏:‏ ‏(‏اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك‏,‏ لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‏)‏ وكان للدوام وفعل أبي يدل على أنه رآه ولا ينكر اختلاف الصحابة في هذا‏,‏ ولأنه وتر فيشرع فيه القنوت كالنصف الآخر‏,‏ ولأنه ذكر يشرع في الوتر فيشرع في جميع السنة كسائر الأذكار‏.‏

فصل

ويقنت بعد الركوع نص عليه أحمد وروى نحو ذلك عن أبي بكر الصديق‏,‏ وعمر وعثمان وعلي‏,‏ وأبي قلابة وأبي المتوكل وأيوب السختيانى وبه قال الشافعي وروي عن أحمد أنه قال‏:‏ أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع‏,‏ فإن قنت قبله فلا بأس ونحو هذا قال أيوب السختيانى لما روى حميد قال‏:‏ سئل أنس عن القنوت في صلاة الصبح‏,‏ فقال‏:‏ كنا نقنت قبل الركوع وبعده رواه ابن ماجه وقال مالك وأبو حنيفة‏:‏ يقنت قبل الركوع وروى ذلك عن أبي‏,‏ وابن مسعود وأبي موسى والبراء‏,‏ وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز‏,‏ وعبيدة وعبد الرحمن بن أبي ليلى وحميد الطويل لأن في حديث أبى‏:‏ ويقنت قبل الركوع وعن ابن مسعود ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قنت قبل الركوع‏)‏ ولنا‏,‏ ما روى أبو هريرة وأنس ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قنت بعد الركوع‏)‏ رواه مسلم قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن هذه المسألة‏؟‏ فقال‏:‏ أقنت بعد الركوع وذكر حديث الزهري عن سعيد‏,‏ وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وأنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وغير واحد قنت بعد الركوع وحديث ابن مسعود يرويه أبان بن أبي عياش وهو متروك الحديث وحديث أبي قد تكلم فيه أيضا‏,‏ وقيل ذكر القنوت فيه غير صحيح والله أعلم‏.‏

فصل

ويستحب أن يقول في قنوت الوتر ما روى ‏(‏الحسن بن على رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في الوتر‏:‏ اللهم اهدنى في من هديت وعافنى في من عافيت وتولنى في من توليت‏,‏ وبارك لي فيما أعطيت وقنى شر ما قضيت إنك تقضى ولا يقضى عليك‏,‏ وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت‏)‏ أخرجه أبو داود‏,‏ والترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن ولا نعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في القنوت شيئا أحسن من هذا ويقول ما روى على رضي الله عنه ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقوله في وتره‏)‏ وقد ذكرناه وعن عمر رضي الله عنه ‏(‏أنه قنت في صلاة الفجر‏,‏ فقال‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستهديك‏,‏ ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك‏,‏ ونثنى عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك‏,‏ اللهم إياك نعبد ولك نصلى ونسجد وإليك نسعى ونحفد‏,‏ ونرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق‏,‏ اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك‏)‏ وهاتان سورتان في مصحف أبي بن كعب وروى أبو عبيد بإسناده عن عروة‏,‏ أنه قال‏:‏ قرأت في مصحف أبي بن كعب هاتين السورتين‏:‏ ‏"‏ اللهم إنا نستعينك اللهم إياك نعبد ‏"‏ وقال ابن سيرين‏:‏ كتبهما أبي في مصحفه يعني إلى قوله‏:‏ ‏"‏ بالكفار ملحق ‏"‏ قال ابن قتيبة‏:‏ ‏"‏ نحفد ‏"‏ نبادر وأصل الحفد‏:‏ مداركة الخطو والإسراع ‏"‏ والجد ‏"‏ بكسر الجيم أي الحق لا اللعب ‏"‏ ملحق ‏"‏ بكسر الحاء لاحق وهكذا يروى هذا الحرف‏,‏ يقال‏:‏ لحقت القوم وألحقتهم بمعنى واحد ومن فتح الحاء أراد أن الله يلحقه إياه وهو معنى صحيح غير أن الرواية هي الأولى وقال الخلال‏:‏ سألت ثعلبا عن ملحق وملحق‏؟‏ فقال‏:‏ العرب تقولهما معا‏.‏

فصل

إذا أخذ الإمام في القنوت‏,‏ أمن من خلفه لا نعلم فيه خلافا وقاله إسحاق وقال القاضي‏:‏ وإن دعوا معه فلا بأس وقيل لأحمد‏:‏ إذا لم أسمع قنوت الإمام أدعو‏؟‏ قال‏:‏ نعم فيرفع يديه في حال القنوت قال الأثرم‏:‏ كان أبو عبد الله يرفع يديه في القنوت إلى صدره واحتج بأن ابن مسعود رفع يديه في القنوت إلى صدره وروى ذلك عن عمر وابن عباس وبه قال إسحاق وأصحاب الرأي وأنكره مالك‏,‏ والأوزاعي ويزيد بن أبي مريم ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك‏,‏ ولا تدع بظهورهما فإذا فرغت فامسح بهما وجهك‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه ولأنه فعل من سمينا من الصحابة وإذا فرغ من القنوت فهل يمسح وجهه بيده‏؟‏ فيه روايتان‏:‏ إحداهما‏,‏ لا يفعل لأنه روى عن أحمد أنه قال‏:‏ لم أسمع فيه بشيء ولأنه دعاء في الصلاة فلم يستحب مسح وجهه فيه كسائر دعائها الثانية‏:‏ يستحب للخبر الذي رويناه وروى السائب بن يزيد ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان إذا دعا رفع يديه‏,‏ ومسح وجهه بيديه‏)‏ ولأنه دعاء يرفع يديه فيه فيمسح بهما وجهه كما لو كان خارجا عن الصلاة‏,‏ وفارق سائر الدعاء فإنه لا يرفع يديه فيه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏مفصولة مما قبلها‏]

الذي يختاره أبو عبد الله أن يفصل ركعة الوتر بما قبلها وقال‏:‏ إن أوتر بثلاث لم يسلم فيهن لم يضيق عليه عندي وقال يعجبني أن يسلم في الركعتين‏,‏ وممن كان يسلم بين الركعتين والركعة ابن عمر حتى يأمر ببعض حاجته وهو مذهب معاذ القارئ ومالك والشافعي‏,‏ وإسحاق وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يفصل بسلام وقال الأوزاعي إن فصل فحسن وإن لم يفصل فحسن وحجة من لم يفصل قول عائشة‏:‏ ‏(‏إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث‏)‏ وقولها ‏(‏كان يصلي أربعا‏,‏ فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا‏)‏ فظاهر هذا أنه كان يصلي الثلاث بتسليم واحد‏,‏ وروت أيضا ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن‏)‏ رواه مسلم ‏.‏

ولنا ما روت عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة‏,‏ يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة‏)‏ رواه مسلم وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة‏)‏ متفق عليه وقيل لابن عمر ما مثنى مثنى‏؟‏ قال يسلم في كل ركعتين وقال عليه السلام ‏(‏الوتر ركعة من آخر الليل‏)‏ رواه مسلم وعن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر ‏(‏أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن الوتر‏؟‏ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم‏)‏ رواه الأثرم بإسناده وهذا نص فأما حديث عائشة الذي احتجوا به فليس فيه تصريح بأنها بتسليم واحد وقد قالت في الحديث الآخر‏:‏ يسلم بين كل ركعتين وأما إذا أوتر بخمس فيأتى الكلام فيه إذا ثبت هذا‏,‏ فإنه إذا صلى خلف إمام يصلي الثلاث بتسليم واحد تابعه لئلا يخالف إمامه وبه قال مالك وقد قال أحمد في رواية أبي داود في من يوتر فيسلم من الثنتين فيكرهونه يعني أهل المسجد قال‏:‏ فلو صار إلى ما يريدون يعني أن ذلك سهل لا تضر موافقته إياهم فيه ‏.‏

فصل

يجوز أن يوتر بإحدى عشرة ركعة وبتسع وبسبع وبخمس وبثلاث وبواحدة لما ذكرنا من الأخبار فإن أوتر بإحدى عشرة سلم من كل ركعتين‏,‏ وإن أوتر بثلاث سلم من الثنتين وأوتر بواحدة وإن أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن وإن أوتر بسبع‏,‏ جلس عقيب السادسة فتشهد ولم يسلم ثم يجلس بعد السابعة فيتشهد ويسلم وإن أوتر بتسع لم يجلس إلا عقيب الثامنة فيتشهد ثم يقوم فيأتى بالتاسعة‏,‏ ويسلم ونحو هذا قال إسحاق وقال القاضي‏:‏ في السبع لا يجلس إلا في آخرهن أيضا كالخمس فأما الإحدى عشرة والثلاث فقد ذكرناهما وأما الخمس فقد روى عن زيد بن ثابت أنه كان يوتر بخمس لا ينصرف إلا في آخرها وروى عروة عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة‏,‏ يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منها إلا في آخرها‏)‏ متفق عليه وعن ابن عباس‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فتوضأ ثم صلى سبعا أو خمسا أوتر بهن‏,‏ لم يسلم إلا في آخرهن‏)‏ رواه أبو داود وقال صالح مولى التوأمة‏:‏ أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة ويوترون بخمس يسلمون بين كل اثنتين ويوترون بواحدة‏,‏ ويصلون الخمس جميعا رواه الأثرم وأما التسع والسبع فروى زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام قال‏:‏ ‏(‏قلت يعني لعائشة‏:‏ يا أم المؤمنين‏,‏ أنبئينى عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏؟‏ فقالت‏:‏ كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويتوضأ ويصلى سبع ركعات‏,‏ لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلى التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا‏,‏ ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بنى فلما أسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأخذه اللحم‏,‏ أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنعه في الأول قال‏:‏ فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها فقال‏:‏ صدقت‏)‏ رواه مسلم وأبو داود‏,‏ وفي حديث أبي داود فقال ابن عباس‏:‏ هذا هو الحديث وفيه‏:‏ أوتر بسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في السابعة وفيه من طريق أخرى ويسلم بتسليمة شديدة يكاد يوقظ أهل البيت من شدة تسليمه وهذا صريح في أن السبع يجلس فيها عقيب السادسة ولعل القاضي يحتج بحديث ابن عباس صلى سبعا‏,‏ أو خمسا أوتر بهن لم يسلم إلا في آخرهن وعن أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوتر بسبع أو خمس‏,‏ لا يفصل بينهن بتسليم ولا كلام‏)‏ رواه ابن ماجه وكلا الحديثين فيه شك في السبع وليس في واحد منهما أنه لا يجلس عقيب السادسة وحديث عائشة فيه تصريح بذلك وهو ثابت فيتعين تقديمه‏.‏

فصل

الوتر غير واجب وبهذا قال مالك‏,‏ والشافعي وقال أبو بكر‏:‏ وهو واجب وبه قال أبو حنيفة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ‏(‏إذا خفت الصبح فأوتر بواحدة‏)‏ وأمر به في أحاديث كثيرة والأمر يقتضي الوجوب وروى أبو أيوب قال‏,‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ وابن ماجه وعن بريدة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول ‏(‏الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا‏)‏ رواه أحمد في ‏"‏ المسند ‏"‏ من غير تكرار وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مثله من ‏[‏المسند‏]‏ أيضا وعن خارجة بن حذافة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات غداة فقال‏:‏ إن الله قد أمركم بصلاة فهي خير لكم من حمر النعم وهي الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر‏)‏ رواه أحمد‏,‏ وأبو داود وعن أبي بصرة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول ‏(‏إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح الوتر الوتر‏)‏ رواه الأثرم‏,‏ واحتج به أحمد ‏.‏

ولنا ما روى عبد الله بن محيريز أن رجلا من بنى كنانة يدعى المخدجي‏,‏ سمع رجلا بالشام يدعى أبا محمد يقول‏:‏ إن الوتر واجب قال‏:‏ فرحت إلى عبادة بن الصامت فأخبرته فقال عبادة‏:‏ كذب أبو محمد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا‏,‏ استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن‏,‏ فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة‏)‏ رواه أبو داود وأحمد وعن على رضي الله عنه ‏(‏أن الوتر ليس بختم ولا كصلواتكم المكتوبة ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أوتر ثم قال‏:‏ يا أهل القرآن أوتروا‏,‏ فإن الله وتر يحب الوتر‏)‏ رواه أحمد في ‏"‏ المسند ‏"‏ وقد ثبت ‏(‏أن الأعرابي لما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ما فرض الله على في اليوم والليلة‏؟‏ قال خمس صلوات قال‏:‏ هل على غيرهن‏؟‏ قال لا إلا أن تتطوع فقال الأعرابي‏:‏ والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن‏,‏ ولا أنقص منهن فقال‏:‏ أفلح الرجل إن صدق‏)‏ ولأنه يجوز فعله على الراحلة من غير ضرورة فلم يكن واجبا كالسنن‏,‏ وقد روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏كان يوتر على بعيره‏)‏ متفق عليه وقال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه‏,‏ ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة‏)‏ رواه مسلم وغيره وأحاديثهم قد تكلم فيها ثم إن المراد بها تأكيده وفضيلته‏,‏ وأنه سنة مؤكدة وذلك حق وزيادة الصلاة يجوز أن تكون سنة‏,‏ والتوعد على تركه للمبالغة في تأكيده كقوله‏:‏ ‏(‏من أكل هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا ‏)‏‏.‏

فصل

وهو سنة مؤكدة قال أحمد‏:‏ من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء‏,‏ ولا ينبغي أن تقبل له شهادة وأراد المبالغة في تأكيده لما قد ورد فيه من الأحاديث في الأمر به والحث عليه فخرج كلامه مخرج كلام النبي - صلى الله عليه وسلم- وإلا فقد صرح في رواية حنبل‏,‏ فقال‏:‏ الوتر ليس بمنزلة الفرض فلو أن رجلا صلى الفريضة وحدها جاز له وهما سنة مؤكدة الركعتان قبل الفجر والوتر‏,‏ فإن شاء قضى الوتر وإن شاء لم يقضه وليس هما بمنزلة المكتوبة واختلف أصحابنا في الوتر وركعتى الفجر‏,‏ فقال القاضي‏:‏ ركعتا الفجر آكد من الوتر لاختصاصهما بعدد لا يزيد ولا ينقص فأشبها المكتوبة وقال غيره‏:‏ الوتر آكد وهو أصح لأنه مختلف في وجوبه وفيه من الأخبار ما لم يأت مثله في ركعتى الفجر‏,‏ لكن ركعتا الفجر تليه في التأكيد والله أعلم‏.‏

فصل

ووقته ما بين العشاء وطلوع الفجر الثاني فلو أوتر قبل العشاء‏,‏ لم يصح وتره وقال الثوري وأبو حنيفة‏:‏ إن صلاه قبل العشاء ناسيا لم يعده وخالفه صاحباه فقالا‏:‏ يعيد وكذلك قال مالك‏,‏ والشافعي فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏الوتر جعله الله لكم ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر‏)‏ وفيه حديث أبي بصرة ‏(‏إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح‏)‏ وفي ‏"‏ المسند ‏"‏ عن معاذ قال‏:‏ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏زادنى ربى صلاة‏,‏ وهي الوتر ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر‏)‏ ولأنه صلاه قبل وقته فأشبه ما لو صلى نهارا وإن أخر الوتر حتى يطلع الصبح‏,‏ فات وقته وصلاه قضاء وروي عن ابن مسعود أنه قال‏:‏ الوتر ما بين الصلاتين وعن على رضي الله عنه نحوه لحديث أبي بصرة والصحيح أن وقته إلى طلوع الفجر لحديث معاذ‏,‏ والحديث الآخر وقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏فإذا خشى أحدكم الصبح صلى ركعة فأوترت له ما قد صلى‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا‏)‏ متفق عليه وقال ‏(‏أوتروا قبل أن تصبحوا‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏الوتر ركعة من آخر الليل‏)‏ وقال ‏(‏من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله‏)‏ أخرجهن مسلم‏.‏

فصل

والأفضل فعله في آخر الليل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من خاف أن لا يقوم من آخر الليل‏,‏ فليوتر من أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة‏)‏ وذلك أفضل وهذا صريح وقال عليه السلام ‏(‏الوتر ركعة من آخر الليل‏)‏ وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يوتر آخر الليل وقالت عائشة‏:‏ ‏(‏من كل الليل قد أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فانتهى وتره إلى السحر‏)‏ ومن كان له تهجد جعل الوتر بعد تهجده‏,‏ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك وقال‏:‏ ‏(‏اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا‏)‏ مع ما ذكرنا من الأخبار فإن خاف أن لا يقوم من آخر الليل استحب أن يوتر أوله لأن ‏(‏النبي - صلى الله عليه وسلم- أوصى أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء بالوتر قبل النوم وقال من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر من أوله‏)‏ وهذه الأحاديث كلها صحاح رواها مسلم‏,‏ وغيره وروى أبو داود ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر‏:‏ متى توتر‏؟‏ قال‏:‏ أوتر من أول الليل وقال لعمر‏:‏ متى توتر‏؟‏ قال‏:‏ آخر الليل فقال لأبي بكر‏:‏ أخذ هذا بالحزم وأخذ هذا بالقوة‏)‏ وأى وقت أوتر من الليل بعد العشاء أجزأه لا نعلم فيه خلافا وقد دلت الأخبار عليه‏.‏

فصل

ومن أوتر من الليل‏,‏ ثم قام للتهجد فالمستحب أن يصلي مثنى مثنى ولا ينقض وتره روى ذلك عن أبي بكر الصديق‏,‏ وعمار وسعد بن أبي وقاص وعائذ بن عمرو وابن عباس‏,‏ وأبي هريرة وعائشة وكان علقمة لا يرى نقض الوتر وبه قال طاوس وأبو مجلز وبه قال النخعي‏,‏ ومالك والأوزاعي وأبو ثور وقيل لأحمد‏:‏ ولا ترى نقض الوتر‏؟‏ فقال لا ثم قال‏:‏ وإن ذهب إليه رجل فأرجو‏,‏ لأنه قد فعله جماعة ومروى عن على وأسامة وأبي هريرة‏,‏ وعمر وعثمان وسعد وابن عمر‏,‏ وابن عباس وابن مسعود وهو قول إسحاق ومعناه أنه إذا قام للتهجد يصلي ركعة تشفع الوتر الأول ثم يصلي مثنى مثنى‏,‏ ثم يوتر في آخر التهجد ولعلهم ذهبوا إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا‏)‏ ولنا‏:‏ ما روى قيس بن طلق قال‏:‏ ‏(‏زارنا طلق بن على في يوم من رمضان فأمسى عندنا وأفطر‏,‏ ثم قام بنا تلك الليلة ثم انحدر إلى المسجد فصلى بأصحابه حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا‏,‏ فقال‏:‏ أوتر بأصحابك فإنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ لا وتران في ليلة‏)‏ رواه أبو داود والترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث حسن وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال‏:‏ أما أنا فإنى أنام على فراشى فإن استيقظت صليت شفعا حتى الصباح رواه الأثرم وكان سعيد بن المسيب يفعله‏.‏

فصل

فإن صلى مع الإمام وأحب متابعته في الوتر‏,‏ وأحب أن يوتر آخر الليل فإنه إذا سلم الإمام لم يسلم معه وقام فصلى ركعة أخرى يشفع بها صلاته مع الإمام نص عليه وقال‏:‏ إن شاء أقام على وتر وشفع إذا قام وإن شاء صلى مثنى‏,‏ قال‏:‏ ويشفع مع الإمام بركعة أحب إلى وسئل أحمد عمن أوتر يصلي بعدها مثنى مثنى‏؟‏ قال‏:‏ نعم ولكن يكون الوتر بعد ضجعة‏.‏

فصل

ويستحب أن يقرأ في ركعات الوتر الثلاث‏,‏ في الأولى ب ‏(‏سبح‏)‏ وفي الثانية ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ وفي الثالثة ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ وبه قال الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وقال الشافعي‏:‏ يقرأ في الثالثة ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ والمعوذتين وهو قول مالك في الوتر وقال في الشفع‏:‏ لم يبلغنى فيه شيء معلوم‏,‏ وقد روي عن أحمد أنه سئل يقرأ بالمعوذتين في الوتر‏؟‏ قال‏:‏ ولم لا يقرأ‏,‏ وذلك لما روت عائشة ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الركعة الأولى ‏"‏ بسبح ‏"‏ وفي الثانية ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ وفي الثالثة ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏‏,‏ والمعوذتين‏)‏ رواه ابن ماجه ولنا‏:‏ ما روى أبي بن كعب قال ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوتر ‏"‏ بـ ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ و ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ و ‏{‏قل هو الله أحد ‏}‏‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه وعن ابن عباس مثله رواه ابن ماجه وحديث عائشة في هذا لا يثبت فإنه يرويه يحيى بن أيوب‏,‏ وهو ضعيف وقد أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين‏.‏

فصل

قال أحمد -رحمه الله-‏:‏ الأحاديث التي جاءت ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أوتر بركعة كان قبلها صلاة متقدمة‏)‏ قيل له‏:‏ أوتر في السفر بواحدة‏؟‏ قال‏:‏ يصلي قبلها ركعتين قيل له‏:‏ يكون بين الركعة وبين المثنى ساعة‏؟‏ قال يعجبني أن يكون بعده ومعه ثم احتج فقال‏:‏ ‏(‏صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشى أحدكم الصبح فليوتر بركعة‏)‏ فقيل له‏:‏ رجل تنفل بعد العشاء الآخرة ثم تعشى‏,‏ ثم أراد أن يوتر يعجبك أن يركع ركعتين ثم يوتر‏؟‏ قال‏:‏ نعم وسئل عمن صلى من الليل ثم نام ولم يوتر‏؟‏ قال‏:‏ يعجبني أن يركع ركعتين ثم يسلم‏,‏ ثم يوتر بواحدة وسئل عن رجل أصبح ولم يوتر‏؟‏ قال‏:‏ لا يوتر بركعة إلا أن يخاف طلوع الشمس قيل‏:‏ يوتر بثلاث‏؟‏ قال‏:‏ نعم يصلي الركعتين إلا أن يخاف طلوع الشمس قيل له‏:‏ فإذا لحق مع الإمام ركعة الوتر‏؟‏ قال‏:‏ إن كان الإمام يفصل بينهن بسلام أجزأته الركعة‏,‏ وإن كان الإمام لا يسلم في الثنتين تبعه ويقضى مثل ما صلى فإذا فرغ قام يقضى ولا يقنت وقيل لأبي عبد الله‏:‏ رجل ابتدأ يصلي تطوعا‏,‏ ثم بدا له فجعل تلك الركعة وترا‏؟‏ فقال‏:‏ لا كيف يكون هذا‏؟‏ قد قلب نيته قيل له‏:‏ أيبتدئ الوتر‏؟‏ قال‏:‏ نعم وقال أبو عبد الله‏:‏ إذا قنت قبل الركوع كبر‏,‏ ثم أخذ في القنوت وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا فرغ من القراءة كبر ثم قنت ثم كبر حين يركع وروى ذلك عن علي‏,‏ وابن مسعود والبراء وهو قول الثوري ولا نعلم فيه خلافا‏.‏

فصل

يستحب أن يقول بعد وتره‏:‏ سبحان الملك القدوس ثلاثا‏,‏ ويمد صوته بها في الثالثة لما روى أبي بن كعب قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا سلم من الوتر قال‏:‏ سبحان الملك القدوس‏)‏ هكذا رواه أبو داود وروى عبد الرحمن بن أبزى قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوتر ب ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ و ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ و ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال‏:‏ سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ثم يرفع صوته بها في الثالثة‏)‏ أخرجه الإمام أحمد في ‏"‏ المسند ‏"‏‏.‏

مسألة

قال ‏[‏وقيام شهر رمضان عشرون ركعة يعني صلاة التراويح‏]

وهي سنة مؤكدة وأول من سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال أبو هريرة ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول‏:‏ من قام رمضان إيمانا واحتسابا‏,‏ غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏ وقالت عائشة‏:‏ ‏(‏صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة‏,‏ وكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلما أصبح‏,‏ قال‏:‏ قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعنى من الخروج إليكم إلا إني خشيت أن تفرض عليكم قال‏:‏ وذلك في رمضان‏)‏ رواهما مسلم وعن أبي ذر قال‏:‏ ‏(‏صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر‏,‏ حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت‏:‏ يا رسول الله‏,‏ لو نفلتنا قيام هذه الليلة‏؟‏ قال‏:‏ فقال‏:‏ إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة قال‏:‏ فلما كانت الرابعة لم يقم فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس‏,‏ فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ وما الفلاح‏؟‏ قال‏:‏ السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر‏)‏ رواه أبو داود والأثرم وابن ماجه وعن أبي هريرة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإذا الناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد فقال‏:‏ ما هؤلاء‏؟‏ فقيل‏:‏ هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأبي بن كعب يصلي بهم وهم يصلون بصلاته فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أصابوا‏,‏ ونعم ما صنعوا‏)‏ رواه أبو داود وقال رواه مسلم بن خالد وهو ضعيف ونسبت التراويح إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصليها بهم‏,‏ فروى عبد الرحمن بن عبد القارى قال‏:‏ خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان فإذا الناس أوزاع متفرقون‏,‏ يصلي الرجل لنفسه ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط فقال عمر‏:‏ إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد‏,‏ لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب قال‏:‏ ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال‏:‏ نعمت البدعة هذه والتى ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل‏,‏ وكان الناس يقومون أوله أخرجه البخاري‏.‏

فصل

والمختار عند أبي عبد الله -رحمه الله- فيها عشرون ركعة وبهذا قال الثوري‏,‏ وأبو حنيفة والشافعي وقال مالك‏:‏ ستة وثلاثون وزعم أنه الأمر القديم وتعلق بفعل أهل المدينة‏,‏ فإن صالحا مولى التوأمة قال‏:‏ أدركت الناس يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس ولنا‏,‏ أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب وكان يصلي لهم عشرين ركعة‏,‏ وقد روى الحسن أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي لهم عشرين ليلة ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني فإذا كانت العشر الأواخر تخلف أبي‏,‏ فصلى في بيته فكانوا يقولون‏:‏ أبق أبي رواه أبو داود ورواه السائب بن يزيد‏,‏ وروى عنه من طرق وروى مالك عن يزيد بن رومان قال‏:‏ كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة وعن علي‏,‏ أنه أمر رجلا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة وهذا كالإجماع فأما ما رواه صالح فإن صالحا ضعيف‏,‏ ثم لا ندرى من الناس الذين أخبر عنهم‏؟‏ فلعله قد أدرك جماعة من الناس يفعلون ذلك وليس ذلك بحجة ثم لو ثبت أن أهل المدينة كلهم فعلوه لكان ما فعله عمر‏,‏ وأجمع عليه الصحابة في عصره أولى بالاتباع قال بعض أهل العلم‏:‏ إنما فعل هذا أهل المدينة لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة‏,‏ فإن أهل مكة يطوفون سبعا بين كل ترويحتين فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات وما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أولى وأحق أن يتبع‏.‏

فصل

والمختار عند أبي عبد الله‏,‏ فعلها في الجماعة قال في رواية يوسف بن موسى‏:‏ الجماعة في التراويح أفضل‏,‏ وإن كان رجل يقتدى به فصلاها في بيته خفت أن يقتدى الناس به وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏اقتدوا بالخلفاء‏)‏ وقد جاء عن عمر أنه كان يصلي في الجماعة وبهذا قال المزني‏,‏ وابن عبد الحكم وجماعة من أصحاب أبي حنيفة قال أحمد‏:‏ كان جابر‏,‏ وعلى وعبد الله يصلونها في جماعة قال الطحاوى‏:‏ كل من اختار التفرد ينبغي أن يكون ذلك على أن لا يقطع معه القيام في المساجد فأما التفرد الذي يقطع معه القيام في المساجد فلا وروى نحو هذا عن الليث بن سعد وقال مالك والشافعي‏:‏ قيام رمضان لمن قوى في البيت أحب إلينا لما روى زيد بن ثابت قال‏:‏ ‏(‏احتجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حجيرة بخصفة أو حصير‏,‏ فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيها فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته قال ثم‏:‏ جاءوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عنهم‏,‏ فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب‏,‏ فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مغضبا فقال‏:‏ ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم‏,‏ فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة‏)‏ رواه مسلم ولنا إجماع الصحابة على ذلك وجمع النبي - صلى الله عليه وسلم- أصحابه وأهله في حديث أبي ذر‏,‏ وقوله له‏:‏ ‏(‏إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف كتب لهم قيام تلك الليلة‏)‏ وهذا خاص في قيام رمضان فيقدم على عموم ما احتجوا به‏,‏ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ذلك لهم معلل بخشية فرضه عليهم ولهذا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم- القيام بهم معللا بذلك أيضا أو خشية أن يتخذه الناس فرضا‏,‏ وقد أمن هذا أن يفعل بعده فإن قيل‏:‏ فعلى لم يقم مع الصحابة‏؟‏ قلنا‏:‏ قد روى عن أبي عبد الرحمن السلمى أن عليا رضي الله عنه قام بهم في رمضان وعن إسماعيل بن زياد قال‏:‏ مر على على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان فقال نور الله على عمر قبره كما نور علينا مساجدنا رواهما الأثرم‏.‏

فصل

قال أحمد‏,‏ -رحمه الله-‏:‏ يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف على الناس ولا يشق عليهم ولا سيما في الليالى القصار‏,‏ والأمر على ما يحتمله الناس وقال القاضي‏:‏ لا يستحب النقصان عن ختمه في الشهر ليسمع الناس جميع القرآن ولا يزيد على ختمه كراهية المشقة على من خلفه والتقدير بحال الناس أولى فإنه لو اتفق جماعة يرضون بالتطويل ويختارونه كان أفضل كما روى أبو ذر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏قمنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح يعني السحور‏)‏ وقد كان السلف يطيلون الصلاة حتى قال بعضهم‏:‏ كانوا إذا انصرفوا يستعجلون خدمهم بالطعام مخافة طلوع الفجر‏,‏ وكان القارئ يقرأ بالمائتين‏.‏

فصل

قال أبو داود‏:‏ سمعت أحمد يقول‏:‏ يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف‏,‏ كتب له بقية ليلته‏)‏ قال‏:‏ وكان أحمد يقوم مع الناس ويوتر معهم قال الأثرم‏:‏ وأخبرنى الذي كان يؤمه في شهر رمضان أنه كان يصلي معهم التراويح كلها والوتر قال‏:‏ وينتظرنى بعد ذلك حتى أقوم ثم يقوم‏,‏ كأنه يذهب إلى حديث أبي ذر ‏(‏إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته‏)‏ قال أبو داود‏:‏ وسئل أحمد عن قوم صلوا في رمضان خمس تراويح لم يتروحوا بينها‏؟‏ قال‏:‏ لا بأس قال‏:‏ وسئل عمن أدرك من ترويحه ركعتين يصلي إليها ركعتين‏؟‏ فلم ير ذلك وقال هي تطوع وقيل لأحمد‏:‏ تؤخر القيام يعني في التراويح إلى آخر الليل‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ سنة المسلمين أحب إلى‏.‏

فصل

وكره أبو عبد الله التطوع بين التراويح وقال‏:‏ فيه عن ثلاثة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عبادة وأبو الدرداء‏,‏ وعقبة بن عامر فذكر لأبي عبد الله فيه رخصة عن بعض الصحابة فقال‏:‏ هذا باطل إنما فيه عن الحسن‏,‏ وسعيد بن جبير وقال أحمد‏:‏ يتطوع بعد المكتوبة ولا يتطوع بين التراويح وروى الأثرم عن أبي الدرداء أنه أبصر قوما يصلون بين التراويح‏,‏ فقال‏:‏ ما هذه الصلاة‏؟‏ أتصلى وإمامك بين يديك‏؟‏ ليس منا من رغب عنا وقال‏:‏ من قلة فقه الرجل أن يرى أنه في المسجد وليس في صلاة‏.‏

فصل

فأما التعقيب وهو أن يصلي بعد التراويح نافلة أخرى جماعة أو يصلي التراويح في جماعة أخرى فعن أحمد‏:‏ أنه لا بأس به لأن أنس بن مالك قال‏:‏ ما يرجعون إلا لخير يرجونه‏,‏ أو لشر يحذرونه وكان لا يرى به بأسا ونقل محمد بن الحكم عنه الكراهة إلا أنه قول قديم والعمل على ما رواه الجماعة وقال أبو بكر‏:‏ الصلاة إلى نصف الليل‏,‏ أو إلى آخره لم تكره رواية واحدة وإنما الخلاف فيما إذا رجعوا قبل النوم‏,‏ والصحيح أنه لا يكره لأنه خير وطاعة فلم يكره كما لو أخره إلى آخر الليل‏.‏

فصل

في ختم القرآن‏:‏ قال الفضل بن زياد‏:‏ سألت أبا عبد الله فقلت‏:‏ أختم القرآن‏,‏ أجعله في الوتر أو في التراويح‏؟‏ قال‏:‏ اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين قلت كيف أصنع ‏؟‏ قال إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة‏,‏ وأطل القيام قلت‏:‏ بم أدعو‏؟‏ قال‏:‏ بما شئت قال‏:‏ ففعلت بما أمرنى وهو خلفى يدعو قائما ويرفع يديه‏,‏ وقال حنبل‏:‏ سمعت أحمد يقول في ختم القرآن‏:‏ إذا فرغت من قراءة ‏{‏قل أعوذ برب الناس‏}‏ فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع قلت‏:‏ إلى أي شيء تذهب في هذا‏؟‏ قال‏:‏ رأيت أهل مكة يفعلونه وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة قال العباس بن عبد العظيم‏:‏ وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة ويروى أهل المدينة في هذا شيئا وذكر عن عثمان بن عفان‏.‏

فصل

واختلف أصحابنا في قيام ليلة الشك فحكى عن القاضي أنه قال‏:‏ جرت هذه المسألة في وقت شيخنا أبي عبد الله فصلى‏,‏ وصلاها القاضي أبو يعلى أيضا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إن الله فرض عليكم صيامه وسننت لكم قيامه‏)‏ فجعل القيام مع الصيام وذهب أبو حفص العكبرى إلى ترك القيام وقال‏:‏ المعول في الصيام على حديث ابن عمر‏,‏ وفعل الصحابة والتابعين ولم ينقل عنهم قيام تلك الليلة واختاره التميميون لأن الأصل بقاء شعبان وإنما صرنا إلى الصوم احتياطا للواجب‏,‏ والصلاة غير واجبة فتبقى على الأصل‏.‏

فصل

قال أبو طالب‏:‏ سألت أحمد إذا قرأ ‏{‏قل أعوذ برب الناس‏}‏ يقرأ من البقرة شيئا‏؟‏ قال‏:‏ لا فلم يستحب أن يصل ختمته بقراءة شيء ولعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه قال أبو داود‏:‏ وذكرت لأحمد قول ابن المبارك‏:‏ إذا كان الشتاء فاختم القرآن في أول الليل‏,‏ وإذا كان الصيف فاختمه في أول النهار فكأنه أعجبه وذلك لما روي عن طلحة بن مصرف قال‏:‏ أدركت أهل الخير من صدر هذه الأمة يستحبون الختم في أول الليل‏,‏ وفي أول النهار يقولون‏:‏ إذا ختم في أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح وإذا ختم في أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسى وقال بعض أهل العلم‏:‏ يستحب أن يجعل ختمة النهار في ركعتى الفجر أو بعدهما‏,‏ وختمة الليل في ركعتى المغرب أو بعدهما يستقبل بختمه أول الليل وأول النهار‏.‏

فصل

‏:‏ ويستحب أن يجمع أهله عند ختم القرآن وغيرهم لحضور الدعاء قال أحمد‏:‏ كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده وروى ذلك عن ابن مسعود وغيره ورواه ابن شاهين مرفوعا إلى رسول الله واستحسن أبو بكر التكبير عند آخر كل سورة من الضحى إلى آخر القرآن لأنه روى عن أبي بن كعب ‏(‏أنه قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم- فأمره بذلك‏)‏ رواه القاضي في ‏"‏ الجامع ‏"‏ بإسناده‏.‏

فصل

وسئل أبو عبد الله‏,‏ عن الإمام في شهر رمضان يدع الآيات من السورة ترى لمن خلفه أن يقرأها‏؟‏ قال‏:‏ نعم ينبغي أن يفعل‏,‏ قد كان بمكة يوكلون رجلا يكتب ما ترك الإمام من الحروف وغيرها فإذا كان ليلة الختمة أعاده وإنما استحب ذلك لتتم الختمة ويكمل الثواب‏.‏

فصل

ولا بأس بقراءة القرآن في الطريق‏,‏ والإنسان مضطجع قال إسحاق بن إبراهيم‏:‏ خرجت مع أبي عبد الله إلى الجامع فسمعته يقرأ سورة الكهف وعن إبراهيم التميمي قال‏:‏ كنت أقرأ على أبي موسى وهو يمشى في الطريق فإذا قرأت السجدة قلت له‏:‏ أتسجد في الطريق‏؟‏ قال نعم وعن عائشة أنها قالت‏:‏ إني لأقرأ القرآن وأنا مضطجعة على سريرى رواه الفريابي‏,‏ في فضائل القرآن عن عائشة‏.‏

فصل

يستحب أن يقرأ القرآن في كل سبعة أيام ليكون له ختمة في كل أسبوع قال عبد الله بن أحمد‏:‏ كان أبي يختم القرآن في النهار في كل سبعة يقرأ في كل يوم سبعا لا يتركه نظرا وقال حنبل‏:‏ كان أبو عبد الله يختم من الجمعة إلى الجمعة وذلك لما روى ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الله بن عمرو‏:‏ اقرأ القرآن في سبع‏,‏ ولا تزيدن على ذلك‏)‏ رواه أبو داود وعن أوس بن حذيفة قال‏:‏ ‏(‏قلنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ لقد أبطأت عنا الليلة قال إنه طرأ على حزبى من القرآن‏,‏ فكرهت أن أخرج حتى أتمه‏)‏ قال أوس سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ كيف تحزبون القرآن قالوا‏:‏ ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة‏,‏ وثلاث عشرة وحزب المفصل وحده رواه أبو داود ويكره أن يؤخر ختمة القرآن أكثر من أربعين يوما ‏(‏لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- سأله عبد الله بن عمرو‏:‏ في كم يختم القرآن‏؟‏ قال‏:‏ في أربعين يوما ثم قال‏:‏ في شهر ثم قال‏:‏ في عشرين ثم قال‏:‏ في خمس عشرة ثم قال‏:‏ في عشر ثم قال‏:‏ في سبع‏)‏ لم ينزل من سبع أخرجه أبو داود وقال أحمد‏:‏ أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين ولأن تأخيره أكثر من ذلك يفضي إلى نسيان القرآن والتهاون به فكان ما ذكرنا أولى‏,‏ وهذا إذا لم يكن له عذر فأما مع العذر فواسع له‏.‏

فصل

وإن قرأه في ثلاث فحسن لما روى ‏(‏عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- إن بى قوة قال‏:‏ اقرأه في ثلاث‏)‏ رواه أبو داود فإن قرأه في أقل من ثلاث‏,‏ فقد روى عن أبي عبد الله أنه قال‏:‏ أكره أن يقرأه في أقل من ثلاث وذلك لما روى عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث‏)‏ رواه أبو داود وروي عن أحمد أن ذلك غير مقدر وهو على حسب ما يجد من النشاط والقوة لأن عثمان كان يختمه في ليلة وروى ذلك عن جماعة من السلف والترتيل أفضل من قراءة الكثير مع العجلة لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏ورتل القرآن ترتيلا‏}‏ وعن عائشة ‏(‏أنها قالت‏:‏ ولا أعلم نبي الله قرأ القرآن كله في ليلة‏)‏ وعنها قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا يختم القرآن في أقل من ثلاث‏)‏ رواه أبو عبيد‏,‏ في ‏"‏ فضائل القرآن ‏"‏ وقال ابن مسعود‏:‏ من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهذه كهذ الشعر ونثر كنثر الدقل‏.‏

فصل

كره أبو عبد الله القراءة بالألحان‏,‏ وقال‏:‏ هي بدعة وذلك لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أنه ذكر في أشراط الساعة أن يتخذ القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم غناء‏)‏ ولأن القرآن معجز في لفظه ونظمه والألحان تغيره وكلام أحمد في هذا محمول على الإفراط في ذلك‏,‏ بحيث يجعل الحركات حروفا ويمد في غير موضعه فأما تحسين القراءة والترجيع فغير مكروه فإن عبد الله بن المغفل قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة يقرأ سورة الفتح قال‏:‏ فقرأ ابن المغفل‏,‏ فرجع في قراءته وفي لفظ قال‏:‏ قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم- عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته‏)‏ قال معاوية بن قرة‏:‏ لولا إني أخاف أن تجتمع على الناس لحكيت لكم قراءته رواهما مسلم وفي بعض الألفاظ فقال‏:‏ ‏"‏ أ أ أ ‏"‏ وروى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ما أذن الله لشيء كإذنه لنبى حسن الصوت يتغنى بالقرآن‏)‏ يجهر به يعني ليستمع وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏زينوا القرآن بأصواتكم‏)‏ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ليس منا من لم يتغن بالقرآن‏)‏ وقد اختلف السلف في معنى قوله‏:‏ ‏"‏ يتغنى بالقرآن ‏"‏ فقال‏:‏ ابن عيينة‏,‏ وأبو عبيد وجماعة وغيرهما‏:‏ معناه يستغنى بالقرآن قال أبو عبيد‏:‏ وكيف يجوز أن يحمل على أن من لم يغن بالقرآن ليس من النبي - صلى الله عليه وسلم-‏؟‏ وقالت طائفة منهم‏:‏ معناه يحسن قراءته‏,‏ ويترنم به ويرفع صوته به كما قال أبو موسى للنبى - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ لو علمت أنك تسمع قراءتى لحبرته لك تحبيرا وقال الشافعي‏:‏ يرفع صوته به وقال أبو عبد الله‏:‏ حزنه فيقرؤه بحزن مثل صوت أبي موسى وعلى كل حال فقد ثبت أن تحسين الصوت بالقرآن‏,‏ وتطريبه مستحب غير مكروه ما لم يخرج ذلك إلى تغيير لفظه‏,‏ وزيادة حروفه فقد روى ‏(‏عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبى - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أستمع قراءة رجل في المسجد لم أسمع قراءة أحسن من قراءته فقام النبي - صلى الله عليه وسلم- فاستمع قراءته ثم قال هذا سالم مولى أبي حذيفة‏,‏ الحمد لله الذي جعل في أمتى مثل هذا‏)‏ ‏(‏وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى‏:‏ إني مررت بك البارحة وأنت تقرأ فقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود فقال أبو موسى‏:‏ لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا‏)‏ مع ما ذكرنا من الأخبار والله أعلم‏.‏